ثريا العريض
.. أحبوا أمهاتكم..
وكل ربيع وأنتم بدفء حنان متبادل أو دفء الذاكرة.
رحمك الله يا أمي.
أعود إلى الألبوم العتيق.. أبحث عن صورتنا معا.. في الخامسة من عمري متشبثة بثوبك.. وجهي يطل محتميا من ورائك.
كم كنت أحسك شاهقة القوة وقادرة على حمايتي من كل شر.!!
*
لم ألاحظ من قبل كم يشبه وجهها وجهي..
أدقق في ملامحها.. كم كانت عيناها متعبتين ساهمتين..
عينان تحملان توقيع امرأة شرقية المعاناة حتى وشفتاها تبتسمان.
لم تغب عن خاطري قط.
منذ تركتني لليتم قبل أن استعد له..توفيت فجأة وأنا بعيدة في الغربة.. ولم أكن مستعدة للفقدان..أحسستني كبرتُ خمسين عاما دفعة واحدة يوم وقفت عند سريرها الخالي من جسدها الضعيف..
ولم أحس بها تكبر.. ظلت صورتها منقوشة في قلبي شابة حسناء لوجهها ملمس ورائحة الورد حين تقبلني.
كم أفتقد وجهها الجميل وروحها الأجمل وعشقها للفرح. يعاودني رنين ضحكتها تحرك في سمعي أجراسا فضية خفية مختبئة في مكان ما كلما تفاعلت فرحا واحتفاء بالحياة.لا أعرف من أين كانت تأتي بكل ذلك الفرح المتجدد. يأتلق بابتسامتها كومض الياسمين كل يوم..
حتى والحياة تجدد معاناتها وتزيد.. لم تفقد حماسها للحياة.
كم تحمست لي يوم رافقت شقيقاتي إلى المدرسة في أول يوم دراسي. وكأنه يحدث لأول مرة حتى وأنا طفلتها السابعة.
هي لم تدخل مدرسة غير كتاب عمتها وعاشت يتيمة بلا أم.
لم تملأ فراغ غياب أمها جدة ولا خالة.. ولم تتبن هي أما.
عاشت متسلحة بأحلام متوردة البراءة وابتسامة لا تغيض.
كنت أسألها عن تفاصيل طفولتها وتكتفي بشذرات..
خلت أنني لمحت في عينيها دموعا أحيانا.
ولم أكن أعرف مدى قسوة أسئلتي الطفولية المباشرة.
كنت أحبها كثيرا..
علمتني الصلاة وتعلمت بسرعة كي ترضى عني.
وكنت أصنع بطاقة عيد الأم بيدي كل عام واملؤها بقصيدة أدبجها بنفسي. وتدمع عيناها حين أقرأها لها.
لو سمعت مني ما أكتب الآن لدمعت عيناها مثل عيني..
كانت تقول إن الدموع تغسل القلب.
وإن الله يحب ذوي القلوب النظيفة.
وإنها واثقة أن الله يحب الأطفال كثيرا.
جعلتني أحب الله مثلها وأتأمل الفرج منه في أعمق حلكة الشدة.
يقولون إنني صرت أشبهها..
ربما أشبهها أحيانا حين ينبع الفرح في قلبي لأسباب لا أعيها تماما.. أصبح هي للحظات نادرة وتتلبسني روحها المرحة.
وحتى حين كبرت وأدركت كم أثخنتها الحياة ظلت كما عرفتها محتفظة بابتسامتها الطفولية.
قالت لي: أحبي أولادك.. الأم لا تعوض..
فعلا.. الأم لا تعوض.. لا دفء مثل دفء حنانها.
إن كنتم قد نسيتم عيد الأم أمس... كل يوم يجب أن يكون لها.