محمد السحيمي
منذ قرون، والاحتفال بالمولد النبوي الشريف، يتخذ شكلاً نمطياً لم يتغير:بهرجة، وهيصة، وزيطة وزنبليطة، ومأكولات، وحلويات، وعصيدة، ومدائح كلامية، ودروشة تدير الرؤوس مع رقصة "التنورة"، ثم تخرج من المولد بلاحمُّص! والمسألة ـ كما يبدو ـ تعود إلى جذور ثقافية فكرية مصدرها: أننا أمة كلام، وكلام مباح حتى الصباح؛لا تذهبوا بعيداً! ففي أسبوع الشجرة ـ مثلاً ـ نملأ الدنيا كلاماً، وحتى حين يقوم أحد المسؤولين، بزرع "شتلة"، فما ذلك إلا لأن الصورة أبلغ!
لماذا ـ إذا كنا مصرِّين على الاحتفال بالمولد ـ لا نحييه بطريقة مبتكرة؟ طريقة عملية لم يجرِّبها أحد طيلة قرون، وهي: أن نحيي سنةً عملية من سننه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أونحقق مبدأً واحداً من مبادئ الدين النبيلة، أو نصحح سلوكاً خاطئاً واحداً فقط، إلى العام القادم؟
ما رأيكم لو جربنا ذلك اليوم، وعلى المستوى الفردي، لأننا لو انتظرنا قراراً بيروقراطياً من أي جهةٍ ذات، أو غير ذات صلة، فلن نحتفل، بأي شيء!
ماذا لو توقف أحدنا، أستغفر الله، بل خفف فقط من الكذب، ساعةً من نهار، وليس طيلة هذا اليوم؛ فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها؟ تخيل: لو صادفت هذه الساعة، أن تسألك زوجتك حبيبتك، التي لم "تـَزُغْ" عينك إلى غيرها، حتى في الأحلام، عن رأيك في "أليسا"؟ هل في العبارة السابقة أي كذب، لا سمح الله؟ وتخيل لو صادفت ـ تلك الساعة، وليس "أليسا"ـ أن يسألك مديرك: هل أنجزت المعاملة في وقتها، لوجه الله تعالى؟ أو صادفت ـ تلك الساعة وليست المعاملة ـ أن يسألك صديقك:ألقى معك ألف ريال، لآخر الشهر؟ لا لا.. لا تضع يدك في جيبك، فقد انتهت الساعة أبشرك!
وماذا لو تذكر"التُّجَّار"ـ ولساعةٍ واحدةٍ فقط أيضاًـ أنه عليه الصلاة والسلام كان تاجراً ناجحاً، حقق، مع السمعة المحترمة، والمصداقية السامية، أرباحاً طائلةً، لسيدتنا "خديجة"، وغيرها ممن وثقوا فيه، وسلموه أموالهم، وودائعهم؟ فأدرك التجار، أنه ليس بالجشع وحده "تقحش" المليارات! وماذا لو صادفت هذه الساعة، جرد كل واحدٍ منهم لأجور موظفيه، وعماله المتأخرة؟ أو صادفت حصرهم لزكاة أموالهم، هذا العام فقط، وعفا الله عما سلف؟ وماذا لوصادفت يقظة ضمائرهم الوطنية فبادروا إلى التفكيرـ مجرد التفكيرـ في حلٍّ للبطالة؟ واعتمدوا إقامة بعض المشاريع الخيرية كبناء المستشفيات، ومعاهد التدريب، و..وانتهت الساعة، فاطمئنوا معشر التجار!
وماذا لو تذكر القائمون على وزارة الصحة ـ وقد أصبح منع الاختلاط شغلهم الشاغل ـ أن الطبيبة الصحابية: "رفيدة"، كانت تعالج الرجال الجرحى، في مسجده ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يكن هناك دائرة تلفزيونية، ولا "بارتيشن"؟
وماذا لو تذكر بعض أصحاب"الجموس"، حديث المرأة، التي جاءت ـ تحت سياط الضميرـ تعترف"للرحمة المهداة"، باقترافها الفاحشة، وكانت حاملاً، فقال:حتى تلدي ـ ولم يسجنها على ذمة القضية ـ ثم حتى ترضعيه، ثم حتى تجدي من يكفله بعدك، فلما جاءته بعد كل هذه "التسويفات"، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ رداً على شتيمة "خالد بن الوليد": "مهلاً يا خالد، فإنها تابت توبةً، لو وُزِّعت على سبعين من الأنصار، لكفتهم"!
انتهت الساعة، و"الجمس" لم ينته! حمُّص لله، يا أهل المولد!